منتــديـــــــات .... ضياء الـديــــن البــري .... للثقـــــــافة والأدب
اهلا وسهلا بكم .. نورتونا .. نسعد لتواجدكم .. وتواصلكم الدائم معنا ومن خلال منتداكم .. معا سيكون احلي منتدي ..
منتــديـــــــات .... ضياء الـديــــن البــري .... للثقـــــــافة والأدب
اهلا وسهلا بكم .. نورتونا .. نسعد لتواجدكم .. وتواصلكم الدائم معنا ومن خلال منتداكم .. معا سيكون احلي منتدي ..
منتــديـــــــات .... ضياء الـديــــن البــري .... للثقـــــــافة والأدب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتــديـــــــات .... ضياء الـديــــن البــري .... للثقـــــــافة والأدب

أدبــي ...... ثقــافي ...... إســلامي.......شعر العـاميــــة ..... كل ماينفـــع الناس
 
الرئيسية.........عرفت الله ياياته.....منقول Emptyأحدث الصوردخولالتسجيل
السلام عليكم .. أهلا وسهلا ومرحبا بكم في منتداكم .. زيارتكم شرف لنا .. وتواجدكم بيننا مبتغانا .. الدعاء أعذب نهر جرى ماؤه بين المتحابين في الله ..... ولأنني في الله أحبكم .. أهديكم من عذوبته .. بارك الله لك في عمرك وأيامك .. نرحب بمن يتواجد معنا للإشراف علي أقسام المنتدي .. نسعي وإياكم لما يرضي الله وينفع الناس ..
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر

 

 .........عرفت الله ياياته.....منقول

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
admin
Admin



عدد المساهمات : 1587
تاريخ التسجيل : 09/09/2009
الموقع : https://elmastor99.ahlamontada.com/admin/index.forum?part=users_groups&sub=users&mode=edit&u=1&extended_admin=1&sid=c1629deafff60446a84e167c5d6aaa07

.........عرفت الله ياياته.....منقول Empty
مُساهمةموضوع: .........عرفت الله ياياته.....منقول   .........عرفت الله ياياته.....منقول Icon_minitimeالأحد أكتوبر 25, 2009 1:35 am

إن قوله تعالى في سورة الأنعام :
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
[الأنعام: 115]

دال على أن أخبار الله تعالى كلها في غاية الصدق
وعلى أن كل أحكامه تعالى في غاية العدالة والإنصاف والإحكام
ودال على أن القرآن العظيم جاء للبشرية بخيري الدنيا والآخرة
ويدخل في خير الدنيا والآخرة الذي جاء به القرآن للبشرية
اعتناء القرآن العظيم للإنسان من ناحيتين :
من ناحيته الروحية
ومن ناحيته الجسدية

لأنّ الإنسان مركب من عنصرين مختلفين في الحقيقة أشد الاختلاف
أحدهما يسمى الروح والثاني يسمى الجسد
ولا بد لكل منهما من متطلبات
فللروح متطلبات لا تكفي عنها متطلبات الجسد
وللجسد متطلبات لا تكفي عنها متطلبات الروح

والقرآن العظيم جاء للإنسان بمتطلباته الروحية والجسدية

فمن الناحية الروحية بين له طرق الصلة بالله تبارك وتعالى
لتتهذب روحه على ضوء النور السماوي

ومن الناحية الجسدية نظم له جميع العلاقات
التي بها تقدمه في الدنيا في جميع الميادين

والروح
هي التي لها الأهمية
لأن المادة إذا طغت وقويت ولم تقدها روح مرباة مهذبة
كانت ويلة عظمى على البشرية
ونحن نشاهد هذا في الدنيا
فنشاهد الكتلة الشرقية والغربية
لكلتاهما نجحت غاية النجاح في خدمة الإنسان
من حيث أنه جسد حيواني
وأفلستا كل الإفلاس في خدمته من الناحية الروحية
وصارت هذه المادة لا تقودها روح مرباة مهذبة
على ضوء تعليم سماوي
فأصبحت ويلة عظمى على البشرية
وخطرًا داهمًا يهدد الإنسان

ولذلك :
نجدهم يعقدون المؤتمر بعد المؤتمر
والمجلس بعد المجلس
ليدمروا القوة التي بذلوا فيها النفس والنفيس خوفًا منها
وكل منهم يبيت في قلقٍ وخوفٍ من القوة التي بذلوا فيها النفس والنفيس

كل ذلك إنما جاء من إهمالهم الناحية الروحية

لأن أرواحهم لو كانت مرباة مهذبة على ضوء نور سماوي
من تعاليم رب العالمين
لكانوا وكان البشر في أمن وطمأنينة
لأنّ تلك الروح المرباة المهذبة لا تقود تلك المادة الطاغية والقوة الهائجة
إلا قيادة طبيعية لخير البشرية
وخير الدنيا والآخرة

ومن المؤسف كل الأسف
أن كثيرًا من أبناء المسلمين أذلتهم الحضارة الشرقية والغربية
فانفصلوا عن تعاليم السماء
وقطعوا الصلة بينهم وبين خالقهم
الذي فتح أعينهم وجعل لهم فيها النور

فالحضارة الشرقية والغربية بالاستقراء التام
الذي لا يمكن أن يكابر فيه إلا مكابر جاحد للمحسوس
هذه الحضارة جمعت بين نافع لا مثال لنفعه
وبين ضارٍ لا مثال لضره
أما الذي حصلته من النفع فهو ما حصلت عليه من التقدم المادي والتقدم التنظيمي
في جميع ميادين الحياة
فهذا كالماء الزلال
فالمتواكلون العجزة المعرضون عنه متمردون على نظام السماء
مخالفون لأمر خالق السماوات والأرض جلا وعلا
الذي يقول في سورة الأنفال :
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة

فكأنه يقول:
أعدوا ما يكون من المستطاع من القوة كائنًا ما كان
مهما تطورت القوة ومهما بلغت
فالمتواكلون العجزة الذين لا يعدون القوة متمردون إذًا على أمر الله تعالى
يصدق عليهم قوله تعالى في سورة الأحزاب:
ومن يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينًا

وأما ما حصلته من الضر الذي لا مثال لضره
فهو إهمالهم للآداب الروحية
وإباحتهم لكل الفواحش تحت اسم الحرية
وهو في الحقيقة رق وعبودية للشهوات ووقوع في أثرها
فهو كالسم الفاتك القتال

فالراضون به الآخذون به المشجعون له متمردون أيضًا على نظام السماء
بل هم أشد تمردًا مخالفون لأمر خالق السموات والأرض جلا وعلا
الذي يقول في سورة الأنعام "
وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
[الأنعام: 151]

ولكن :
القرآن العظيم جمع بين نصيب الروح ونصيب الجسد
وبين أن الروح هي التي لها الأهمية
ومن نظر في القرآن وجده على خلاف هذه الحضارة
باعتنائها بالأجساد وإهمالها للأرواح

من نظر فيه وجده جامعًا بين الأمرين
الأمر بالقوة والتقدم مع المحافظة على الآداب الروحية
ومن الأمثلة الدالة على ذلك
قوله تعالى في الآيتين الثانية والثالثة بعد المائة من سورة النساء:
وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ
[النساء: 102] إلى آخر الآية

فهذا وقت التحام الكفاح المسلح
والرؤوس تنزل عن الأعناق
وفي هذا الوقت الحرج نظام السماء والقرآن العظيم
يدبر الخطة العسكرية على أكمل الوجوه
في الوقت الذي يحافظ فيه على الاتصال بخالق هذا الكون جلا وعلا
وتربية الروح بأدب سماوي من آداب السماء
وهو المحافظة على الصلاة في الجماعة

والأمثلة الدالة على ذلك في القرآن كثيرة
فالحضارة الشرقية والغربية
فيها ماء عذب زلال وفيها سم فاتك قتال
فأما ما فيها من الماء العذب الزلال هو ما أنتجته من القوة المادية والقوة التنظيمية
في جميع ميادين الحياة
وأما ما فيها من السم الفاتك القتال
فهو ما جنته من التمرد على نظام السماء والطغيان
والعصيان لخالق هذا الكون جلا وعلا
والإفلاس الكلي في الآداب الروحية السماوية

ومن المؤسف أيضًا كل الأسف
أن البعض في بلاد المسلمين
أخذوا من هذه الحضارة ضارها من الانحطاط الخلقي والزهد في الإسلام
وقطع الصلة بالله
وعُدمت صلة السماء بالأرض
في الوقت الذي هم فيه مفلسون كل الإفلاس من ماءها الزلال ومنافعها الدنيوية

أخذوا ضارها وتركوا منافعها

فهل نستطيع أن نفرق ؟!

أن نأخذ من هذه الحضارة نافعها
وأن نحذر من ضارها

إن البدن مطية الروح
ولا بد لإكرام هذه المطية
وإعطاءها ما يعينها على السير بهذه الروح
والسفر والبلوغ للدار الآخرة بسلام

ويقول الله جل و علا في سورة الشمس:
قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا
[الشمس:9، 10]
قد أفلح من زكاها
أي: أفلح من طهر نفسه من الذنوب ونقاها من العيوب
ورقاها بطاعة الله وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح
وقد خاب من دساها
أي خاب من أخفى نفسه الكريمة في مذابل المعاصي
وأمات استعداها للخير بالمداومة على اتباع طرق الشيطان وفعل الفجور

إن الله سبحانه لما أراد خلق آدم
أخذ من جميع الأرض قبضة من التراب
ثم ألقى عليها الماء فصارت طينًا أملس
ثم أرسل عليها الريح فجففها
حتى صارت ترابًا يابسًا
ثم قدر لها الأعضاء والمنافذ والأوصال والرطوبات
وصورها فأبدع في تصويرها
وأظهرها في أحسن الأشكال
وهيأ كل جزء منها لما يراد له
وقدره لما خلق له على أبلغ الوجوه
وألقاها على باب الجنة أربعين سنة
والملائكة تراها ولا تعرف ما يراد منها
وإبليس يمر على جسده فيعجب منه ويقول:
خلقتَ لأمر عظيم ولئن سلطت عليك لأهلكنك
ولئن سلطت علي لأعصينك

ولم يعلم أن هلاكه على يده


فلما تكامل تصويرها وصارت جسدًا مصورًا مشكلاً كأنه ينطق
إلا أنه لا روح فيه ولا حياة
أرسل الله إليه روحه (جبريل) فنفخ فيه نفخة
وانقلب ذلك الطين لحمًا ودمًا وعظامًا وعروقًا
وسمعًا وبصرًا وشمَّاً ولُمْسًا وحركة وكلامًا

فأول شيء بدأ به أن قال:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

فقال له خالقه وباريه ومصوره:
يرحمك الله يا آدم

فاستوى جالسًا أجمل شيء وأحسنه منظرًا
وأتمه خلقًا
وأبدعه صورة

فقال الرب تعالى لجميع ملائكته:
اسْجُدُوا لِآَدَمَ [البَقَرَة: 34]
فبادروا بالسجود تعظيمًا وطاعة لأمر الواحد المعبود

ثم قال لهم:
لنا في هذه القبضة من التراب شرع أبدع مما ترون
وجمال باطنٍ أحسنُ مما تبصرون
فلنـزين باطنه أحسن من زينة ظاهره
ولنجعلنه من أعظم آياتنا
نعلمه أسماء كل شيء مما لا تحسنه الملائكة
ثم اشتق منه صورة هي مثله في الحسن والجمال
(حواء)
ليسكن إليها وتقر نفسه
وليخرج من بينهما من لا يحصي عدده سواه من الرجال والنساء
كما أن المادة التي خلق منها الجن فيها الإحراق والعلو والفساد
وفيها الإشراق والإضاءة والنور
فأخرج منها سبحانه هذا وهذا
حكمة باهرة
وقدرة قاهرة
وآية دالة على أنه ليس كمثله شيء
وهو السميع البصير
قال الله تعالى في سورة النساء:
وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً [النساء: 28]

وقال في سورة الروم:
اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً
[الروم: 54]

هنا ذكر الضعف ثلاث مرات مع ذكر الشيبة
ولم تذكر القوة إلا مرتين
في مرحلة واحدة من مراحل عمر هذا الإنسان الضعيف

هذا المخلوق الضعيف لن ينفك عن ضعفه مهما تنعم جسده
ومهما تنعم ومهما ترفه

كالذين خدموا أجسادهم في بلاد الحضارة الشرقية والغربية
لم يشعروا مع كل ما وصلوا إليه من الرفاهية بالسعادة
التي نتصور أننا إذا فعلنا فعلهم حصلنا عليها
وإلا :
فما أسباب كثرة الانتحار عندهم
والجنون والسفه والعبس والبطش والقتل والسلب والنهب؟

ما أسباب ذلك إن كانوا قد ارتاحوا حقًا واستراحوا بسبب رفاهية الأجساد؟
ولماذا هم على ما هم عليه من الضياع؟

أنريد لأنفسنا أن نكون كهؤلاء الضالين؟

لا بد أن يكون بين الإنسان وبين الحيوان فرق
وهذا ليس قيدًا على الحرية
بل هو حفاظ على مكانة الإنسان وكرامته
فإن الله كرمه وفضله على كثير مما خلق المخلوقات تفضيلاً

إن الله عز وجل يقول في سورة آل عمران:
زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذالِكَ مَتَاعُ الْحياةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَأَبِ
[آل عمران: 14]
فلننظر إلى خيرية الروح وفضيلتها على الجسد


ذكر الله تبارك وتعالى عن فرعون أنه قال:
فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه: 49، 50]

أي أعطى لك شيء صورته التي لا يشتبه فيها بغيره
وأعطى كل عضو شكله وهيئته
وأعطى كل موجود خلقه المختص به
ثم هداه إلى ما خلق له من الأعمال

هذه الهداية شاملة للحيوان كله ناطقه وبهيمه
طيره ودوابه
فصيحه وأعجمه
هداه لما يصلحه في معيشته ومطعمه ومشربه ومنكحه
وتقلبه وتصرفه بإرادته

وكذلك كل عضو له هداية تليق به
فهدى الرجلين للمشي
واليدين للبطش والعمل
واللسان للكلام
والأذن للاستماع
والعين لكشف المرئيات
وكل عضو لما خلق له

وهدى الزوجين من كل حيوان إلى الازدواج والتناسل وتربية الولد

وهدى الولد إلى التقام الثدي عند خروجه من بطن أمه
وهداه إلى معرفة أمه دون غيرها حتى يتبعها أين ذهبت

والقصد إلى ما ينفعه من المراعى دون ما يضره منه
وهدى الطير والوحش إلى الأفعال العجيبة التي يعجز عنها الإنسان
ومراتب هدايته سبحانه لا يحصيها إلا هو
فتبارك الله رب العالمين

إن الله سبحانه لما أراد خلق آدم
أخذ من جميع الأرض قبضة من التراب
ثم ألقى عليها الماء فصارت طينًا أملس
ثم أرسل عليها الريح فجففها
حتى صارت ترابًا يابسًا
ثم قدر لها الأعضاء والمنافذ والأوصال والرطوبات
وصورها فأبدع في تصويرها
وأظهرها في أحسن الأشكال
وهيأ كل جزء منها لما يراد له
وقدره لما خلق له على أبلغ الوجوه

وفي أنفسكم أفلا تبصرون
قال الله تعالى:
وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذّاريَات: 21]

لما كان أقرب الأشياء إلى الإنسان نفسُه
دعاه خالقه وبارئه ومصوره وفاطره من قطرة ماءٍ
إلى التبصر والتفكر في نفسه
فإذا تفكر في نفسه استنارت له آيات الربوبية
وسطعت له أنوار اليقين
واضمحلت عنه غمرات الشك والريب
وانقشعت عنه ظلمات الجهل

فإنه إذا نظر في نفسه وجد آثار التدبير فيه قائمات
وأدلة التوحيد على ربه ناطقات
شاهدة لمدبره دالةٌ عليه مرشدةٌ إليه

إذ يجده مكونًا من قَطرة ماءٍ:
لحومًا منضده وعظامًا مركبه وأوصالاً متعددة
مأسورة مشددة بحبال العروق والأعصاب
جمعت بجلد متين
مشتملاً على ثلاثمائة وستين مفصلاً:
ما بين كبير وصغير
وثخين ودقيق
ومستطيل ومستدير
ومستقيم ومنحن

وشد هذه الأوصال بثلاثمائة وستين عرقًا (أعصاب)
للاتصال والانفصال
والقبض والبسط
والمد والضم
والصنائع والكتابة

وجعل فيه عشرة أبواب:
فبابان للسمع وبابان للبصر
وبابان للشم وبابان للطعام والشراب والتنفس
وبابان لخروج الفضلات التي يؤذيه احتباسها

فلننظر في هذه الأعضاء ومنافعها بالتفصيل
ابدأ: «بالرأس»:
فلنتأمل هذه القبة العظيمة التي ركبت على المنكبين
وما أودع فيها من العجائب
وما ركب فيها من الخزائن
وما أودع في تلك الخزائن من المنافع
وما اشتملت عليه من العظام المختلفة الأشكال والصفات والمنافع
ومن الرطوبات والأعصاب والطرق والمجاري
والدماغ والمنافذ والقوى الباطنة:
من الذكر والفكر والتخيل وقوة الحفظ

وذلك من أعظم آيات الله وأدلته وحكمته
كيف ترتسم صورة السموات والأرض والبحار
والشمس والقمر والأقاليم والممالك والأمم
في هذا المحل الصغير

والإنسان يحفظ كتبًا كثيرة
وعلومًا شتى متعددة
وصنائع مختلفة
من غير أن يختلط بعض هذه الصور ببعض
وألقاها على باب الجنة أربعين سنة
والملائكة تراها ولا تعرف ما يراد منها
وإبليس يمر على جسده فيعجب منه ويقول:
خلقتَ لأمر عظيم ولئن سلطت عليك لأهلكنك
ولئن سلطت علي لأعصينك

ولم يعلم أن هلاكه على يده


فلما تكامل تصويرها وصارت جسدًا مصورًا مشكلاً كأنه ينطق
إلا أنه لا روح فيه ولا حياة
أرسل الله إليه روحه (جبريل) فنفخ فيه نفخة
وانقلب ذلك الطين لحمًا ودمًا وعظامًا وعروقًا
وسمعًا وبصرًا وشمَّاً ولُمْسًا وحركة وكلامًا

فأول شيء بدأ به أن قال:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

فقال له خالقه وباريه ومصوره:
يرحمك الله يا آدم

فاستوى جالسًا أجمل شيء وأحسنه منظرًا
وأتمه خلقًا
وأبدعه صورة

فقال الرب تعالى لجميع ملائكته:
اسْجُدُوا لِآَدَمَ [البَقَرَة: 34]
فبادروا بالسجود تعظيمًا وطاعة لأمر الواحد المعبود

ثم قال لهم:
لنا في هذه القبضة من التراب شرع أبدع مما ترون
وجمال باطنٍ أحسنُ مما تبصرون
فلنـزين باطنه أحسن من زينة ظاهره
ولنجعلنه من أعظم آياتنا
نعلمه أسماء كل شيء مما لا تحسنه الملائكة
ثم اشتق منه صورة هي مثله في الحسن والجمال
(حواء)
ليسكن إليها وتقر نفسه
وليخرج من بينهما من لا يحصي عدده سواه من الرجال والنساء
كما أن المادة التي خلق منها الجن فيها الإحراق والعلو والفساد
وفيها الإشراق والإضاءة والنور
فأخرج منها سبحانه هذا وهذا
حكمة باهرة
وقدرة قاهرة
وآية دالة على أنه ليس كمثله شيء
وهو السميع البصير



ثم «العين»
وتأمل عجائبها وشكلها وإيداع النور الباصر فيها
وتركيبها من عشر طبقات
ركبها سبحانه في أعلا مكان من الرأس
بمنزلة طليعته والكاشف والرائد له
وجعل سبحانه موضع الإبصار في قدر العدسة
ثم أظهر في تلك العدسة
قدر السماء والأرض والجبال والبحار والشمس والقمر
وجعل داخل ماء العين مالحًا
لئلا تذيب الحرارة الدائمة ما هناك من الشحم
وجعلها مصونة بالأجفان لتسترها
وتحفظها وتصقلها وتدفع الأقذار عنها
وجعل شعر الأجفان أسود ليكون سببًا لاجتماع النور الذي به الإبصار
وأبلغ في الحسن والجمال
وخلق سبحانه لتحرك الحدقة ستة عضلات
لو نقصت واحدة مـنها لاختـل أمر العين
ومع ذلك :
فيستدل بـأحوال العين على أحوال القلب
من رضاه وغضبه وحبه وبغضه ونفرته

ثم «الأذنين»
وهما رسولا القلب
وتأمل شقهما في جانبي الوجه
وخلقهما وإيداعهما القوة السمعية
يدركان بها المعاني الغائبة التي ترد على العبد
من أمامه ومن خلفه وعن جانبيه
وإيداع الرطوبة فيهما
وجعلها مرة لتمتنع الهوام عن الدخول فيهما
وحوَّطهما سبحانه بصدفتين يجمعان الصوت ويؤديانه إلى الصماخ
وجعل في الصدفتين تعريجات
لتطول المسافة فتكسر حدة الصوت
ولئلا يفاجئهما الداخل إليهما من الدواب والحشرات


ثم «الأنف»

ولنتأمل شكله وخلقه
وكيف نصبه سبحانه في وسط الوجه قائمًا معتدلاً
في أحسن شكل وأوفقه للمنفعة
وفتح فيه بابين
وأودع فيهما حاسة الشم التي يدرك بها الروائح
وأنواعها وكيفياتها ومنافعها ومضارها
ويستدل بها على مضار الأغذية والأدوية ومنافعها
ويعين أيضًا على تقطيع الحروف

وجعله مصبًا للفضلات النازلة من الدماغ لتستريح منها
وستره بساتر أبدي لئلا تبدو تلك الفضلات في عين الرائي
وأيضًا فإنه يستنشق بالمنخرين الهواء البارد والرطب
فيستغني بذلك عن فتح الفم
والهواء الذي يستنشقه ينزل إلى المنخرين فينكسر برده فيهما
ثم يصل إلى الحلق فيعتدل مزاجه هناك
ثم يصل إلى الرئة ألطف ما يكون
فإذا أخذت الرئة ما تحتاجه من الهواء
عاد من الرئتين إلى الحلقوم
ثم إلى المنخرين

ولم يضيع أحكم الحاكمين ذلك «النَّفَس»
بل جعل إخراجه سببًا لحدوث الصوت
ثم جعل سبحانه في الحنجرة واللسان والحنك باختلاف الصوت
فيحدث الحرف
ثم ألهم الإنسان أن يركب ذلك الحرف إلى مثله ونظيره
فيحدث الكلمة
ثم ألهمه تركيب تلك الكلمة إلى مثلها
فيحدث الكلام الدال على أنواع المعاني

ثم إنه سبحانه جعل «الحناجر» مختلفة الأشكال
في الضيق والسعة والخشونة والملامسة
لتختلف الأصوات باختلافها
فلا يتشابه صوتان كما لا تتشابه صورتان
فميز سبحانه بين الأِشخاص بما يدركه السمع والبصر
فتأمل هذه الحكم الباهرة في اتصال النّفس إلى القلب لحفظ حياته
ثم عند الحاجة إلى إخراجه والاستغناء عنه
جعله سببًا لهذه المنفعة العظيمة





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://elmastor99.ahlamontada.com
admin
Admin



عدد المساهمات : 1587
تاريخ التسجيل : 09/09/2009
الموقع : https://elmastor99.ahlamontada.com/admin/index.forum?part=users_groups&sub=users&mode=edit&u=1&extended_admin=1&sid=c1629deafff60446a84e167c5d6aaa07

.........عرفت الله ياياته.....منقول Empty
مُساهمةموضوع: .........من ايات الله ...منقول...   .........عرفت الله ياياته.....منقول Icon_minitimeالأحد أكتوبر 25, 2009 1:49 am

[center]

وأما «الفم» فمحل العجائب
وباب الطعام والشراب والنفس والكلام
ومَكَنُّ اللسان الناطق الذي هو آلة العلوم
وترجمان القلب ورسوله المؤدي عنه
وفيه منفعة الذوق والإدراك وتحريك الطعام
والدليل على اعتدال مزاج القلب وانحرافه
وعلى استقامته واعوجاجه
وعلى أحوال المعدة والأمعاء
وجعله سبحانه عضوًا لحميًا لا عظم فيه ولا عصب
ليسهل عليه القبض والبسط
والحركة الكثيرة في أقاصي الفم وجوانبه
وأما «الأسنان»
فلما كان الطعام لا يمكن تحوله إلا بعد طحنه
جعل الرب تبارك وتعالى آلة للتقطيع والتفصيل
وآلة الطحن فجعل آلة القطع وهي الثنايا وما يليها
حادة الرأس ليسهل بها القطع
وجعل النواجذ وما يليها من الأضراس
مسطحة الرءوس عريضة ليتأتى بها الطحن
ونظمها أحسن نظام كاللؤلؤ المنظم في سلك
أنبتها سبحانه من نفس اللحم
وتخرج من خلاله كما ينبت الزرع في الأرض

وزين «الوجه» أيضًا
بما أنبت فيه من الشعور المختلفة الأشكال والمقادير
فلنتأمل حال الشعر ومنبته
والغايةَ التي خلق من أجلها
وهي شيئان:
أحدهما: عام
وهو: تنقية البدن من الفضول الدخانية الغليظة
كشعر العانة والإبط والأنف
والآخر خاص وهو:
إما للزينة أو للوقاية
ففي شعر الرأس منافع ومصالح
منها وقايته عن الحر والبرد والمرض
ومنها الزينة والحسن
وفي شعر الحاجبين مع الحسن والجمال والزينة
وقاية العين مما ينحدر من الرأس
ولو نقص عن هذا المقدار لزالت منفعة الجمال والوقاية
ولو زاد عليه لغطى العين وأضرَّ بها وحال بينها وبين ما تدركه
وأما شعر اللحية ففيه منافع منها الزينة والوقار والهيبة
ولهذا لا يرى على الصبيان والنساء من الهيبة والوقار
ما يرى على ذوي اللحى
ومنها التمييز بين الرجال والنساء
والنساء لما كنَّ محل الاستمتاع والتقبيل
كان الأحسن والأولى خلوهن عن اللحى
وزين الشفتين بما أنبت فوقهما من الشارب
وتحتهما من العنفقة
وزين الجبهة بالحاجبين وقوسهما وأحسن خطهما


.............ثم «الصدر»

ترى معدن العقل والعلم والحلم والرضا والغضب
والشجاعة والكرم والصبر والاحتمال
والحب والإرادة والوقار والسكينة
والبر وسائر صفات الكمال وأضدادها

فتجد صدور العلِّية تعلو بالبر والخير والعلم والإحسان
وصدور السفلة تغلي بالفجور والشرور والإساءة والحسد والكبر

وفي الصدر «القلب»
الذي هو أشرف ما في الإنسان
وهو قوام الحياة
وهو منبع الروح الحيواني والحرارة الغريزية
وهو محل نظر الرب تعالى ومعرفته ومحبته وخشيته
والتوكل عليه والإنابة إليه والرضا به وعنه

والعبوديةُ عليه أوَّلاً
وعلى رعيته وجنده تبعًا
فالجوارح أتباع القلب
والذي يسري إلى الجوارح من الطاعات أو المعاصي إنما هي آثاره
فإن أظلم أظلمت الجوارح
وإن استنار استنارت

ومع هذا فهو بين إصبعين من أصابع الرحمن

فسبحان مقلب القلوب
ومودعها ما يشاء من أسرار الغيوب
الذي يحول بين المرء وقلبه
ويعلم ما ينطوي عليه من طاعته ودينه
مصرف القلوب كيف أراد
أوحى إلى قلوب الأولياء أن أقبلي إلي فبادرت
وقامت بين يدي رب العالمين
وكره انبعاث آخرين فثبطهم وقيل:
اقعدوا مع القاعدين

والقلب يطلق على معنيين :
على العضو اللحمي الصنوبري الشكل
المودع في الجانب الأيسر من الصدر
وفي بطنه تجويف
وفي التجويف دم أسود

والثاني أمر معنوي:
وهو لطيفة ربانية رحمانية روحانية
لها بهذا العضو تعلق واختصاص
وتلك هي حقيقة الإنسانية وهي «الروح»

وللملك لمة بالقلب
وللشيطان لمة

فإذا ألم به الملك حدث من لمته الانشراح والنور
والرحمة والإخلاص والإنابة ومحبةُ الله
وإيثارُه على ما سواه
وقِصَرُ الأمل والتجافي عن دار البلاء والامتحان والغرور

فلو دامت له تلك الحالة لكان في أهنأ عيش وألذه وأطيبه

ولكن :
تأتيه لمة الشيطان
فتحدث له من الضيق والظلمة والهم والغم والخوف
والسخط على المقدور
والشك في الحق
والحرص على الدنيا وعاجلها
والغفلة عن الله ما هو من أعظم عذاب القلب

ومن الناس من تكون لمة الملك أغلب من لمة الشيطان وأقوى
ومنهم من تكون لمة الشيطان أغلب عليه وأقوى

والشيطان يلم بالقلب لما كان هناك من جواذب تجذبه
فإذا كانت الجواذب صفات قوي سلطانه هناك
واستفحل أمره ووجد موطئًا ومقرًا

فتأتي الأذكار والدعوات كحديث النفس
لتدفع سلطان الشيطان
فإذا قلع العبد تلك الصفات وعمل على التطهير منها
والاغتسال بالتوبة النصوح
بقي للشيطان بالقلب خطرات ووساوس ولمَّات من غير استقرار
وذلك يضعفه ويقوي لمة الملك
فتأتي الأذكار والدعوات والتعوذات فتدفعه بأسهل شيء :
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ
[النحل: 98، 99]


وجماع الطرق والأبواب التي يصان منها القلب وجنودُه أربعة:
فمن ضبطها وعدَّلها وأصلح مجاريها وصرفها في محالها اللائقة بها
استفاد منها قلبه وجوارحه ولم يشمت به عدوه
وهي:
الحرص
والشهوة
والغضب
والحسد

فمن كان حرصه إنما هو على ما ينفعه
وحسده منافسة في الخير
وغضبه لله على أعدائه
وشهوته مستعملة فيما أبيح له وعونًا له على ما أمر به

لم تضره هذه الأربعة
بل انتفع بها أعظم انتفاع

أطوار الإنسان
ودلالاتها على خالقه العظيم


وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
[المؤمنون: 12- 14]

ندب سبحانه ابن آدم في هذه الآيات إلى النظر والتفكر في نفسه
في مبدأ خلقه ووسطه وآخره
إذ نفسه وخلقه من أعظم الدلائل على فاطره
وفيه من العجائب الدالة على عظمة الله
ما تنقضي الأعمار في الوقوف على بعضه
وهو غافل عنه معرض عن التفكر فيه

لينظر ابن آدم كيف جمع سبحانه بين الذكر والأنثى
بأن قادهما بسلسلة المحبة والشهوة
التي هي سبب تخليق الولد وتكوينه من نطفة
ولينظر بعين البصيرة إلى «النطفة»
وهي قطرة مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ [السجدة: 8]
ضعيف مستقذر
لو مرت بها ساعة من الزمان فسدت وأنتنت
كيف استخرجها رب الأرباب العليم القدير من بين الصلب والترائب
منقادة لقدرته مطيعة لمشيئته
على ضيق طرقها واختلاف مجاريها
إلى أن ساقها إلى مستقرها ومجتمعها في مكان لا يناله هواء يفسده
ولا برد يجمده
ولا عارض يصل إليه
ولا آفة تتسلط عليه

فأقامت النطفة هناك برهة من الدهر

ثم قلب سبحانه تلك النطفة البيضاء المشرقة «علقة»
دمًا أحمر
قد تغير لونها وشكلها وصفاتها
فأقامت كذلك مدة
ثم جعلها «مضغة»
قطعة لحم بقدر ما يمضغها الماضغ
مخالفة للعلقة في لونها وحقيقتها وشكلها
ثم قسم تلك الأجزاء المتشابهة المتساوية
إلى «العظام» و «العروق» و «الأعصاب»
ثم ربط بعضها ببعض أقوى رباط وأشده وأبعده عن الانحلال
ثم كساها «لحمًا» ركبه عليها
وجعله وعاء لها وغشاء وحافظًا
وجعلها حاملة له مقيمة له

ولننظر كيف صورها فأحسن صورها
وشق لها السمع والبصر والفم والأنف وسائر المنافذ
ومد اليدين والرجلين وبسطهما
وقسم رءوسهما بالأصابع

ثم قسم الأصابع بالأنامل
ثم ركب فيها الأظفار

وركب الأعضاء الباطنة:
من القلب والمعدة والأمعاء والكبد والمرارة
والطحال والرئة والمثانة وغير ذلك
كل واحد منها له قدر يخصه ومنفعة تخصه

فلنتأمل أعضاءنا وتقدير كل عضو منها للأرب والمنفعة المهيأة لها
«فاليدان» للعلاج والبطش والأخذ والإعطاء والحماية والدفع
و«الرجلان» لحمل البدن والسعي والركوب وانتصاب القامة
و«العينان» للاهتداء والجمال والزينة والملاحة
ورؤية ما في السموات والأرض وآياتهما وعجائبهما
و «الفم» للغذاء والكلام والجمال وغير ذلك
و«الأنف» للتنفس وإخراج فضلات الدماغ وزينةً للوجه
و«اللسان» للبيان والترجمة والتبليغ عنا
و«الأذنان» صاحبتا الأخبار تؤديا إلينا

ولنتأمل «الجهاز الهضمي»
أعضاء هضم غذائنا وما أودع الله فيها من القوى
التي تحيل أنواع الأطعمة من حنطة ولحم وفاكهة وماء وغيرها
إلى دم يغذي أجزاء جسمنا
بما يناسب كل عضو وحاسة وإلا تحول إلى سم

«فالفم» مع كونه يقطِّع الغذاء ويخلطه يقوم بجزء من الهضم
بما أودع فيه من اللعاب
و«المريء» مع كونه منفذًا للمعدة يقوم بجزء من الهضم
بما فيه من حركات وإفرازات لزجة ينزلق بها الغذاء إلى المعدة
و«المعدة» مع كونها خزانة حافظة للغذاء
تتم عملية طحن الأطعمة وتبدأ بهضمها واستحلابها
وتساعد بحموضتها القوية على تعقيم الأطعمة
وتنظم حركة عبورها إلى الأمعاء
و«الأمعاء» تتم هضم الطعام وتحليله إلى عناصره الأولية
ويساعدها على ذلك عصارات الكبد و البنكرياس
ومن خلال جدران الأمعاء يجري امتصاص خلاصة المواد المهضومة
ودفعها إلى الكبد
ثم التخلص من الثفل (الفضلات)
ثم «الكبد» يقوم بأكثر من خمسين وظيفة:
من التخزين والتأليف وتعديل السموم
ويساعد الكبد «الطحال» و«الكليتان»

فإذا تنقى الدم من تلك الفضلات
وعملت فيه هذه الخدم بقواها التي أودعها الله فيها
هذا العمل وأصلحته هذا الإصلاح
اندفع من الكبد إلى «القلب» بواسطة الوريد الأجوف السفلي
فيصب في الأذين الأيمن من القلب
ومنه إلى البطين الأيمن من القلب
وهذا غليظ أزرق غير مصفى
فيضخه البطين الأيمن إلى «الرئتين» فينبث في جرمهما
ويخالط الهواء النقي ويتصفى

ثم يعود بواسطة الأوردة الرئوية إلى الأذين الأيسر من القلب
ومنه إلى البطين الأيسر منه
فيضخه بواسطة الشريان (الأبهر) إلى العروق الضوارب
فيوصل -سبحانه- الغذاء بواسطتها إلى كل جزء جزء من البدن
على مقداره وصفته المناسبة له
وإلى كل حاسة بحسبها
فيحيله إلى العظم عظمًا
وإلى اللحم لحمًا
وإلى العصب عصبًا
وإلى الشعر شعرًا
وهكذا ...

فإنه سبحانه هو الذي خلق هذا كله
وهو الذي يرزق هذا كله رزقًا ثانيًا
الرزق الأول خلق الغذاء
وهذا إيصاله إلى الأعضاء ...

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ
[الحج: 5]

وهدى «النحل» أن تتخذ من الجبال بيوتًا
ومن الشجر ومن الأبنية
ثم تسلك سبل ربها مذللة لها لا تستعصي عليها
ثم تأوي إلى بيوتها
وهداها إلى طاعة يعسوبها واتباعه والائتمام به أين توجه بها
ثم هداها إلى بناء البيوت العجيبة الصنعة المحكمة البناء

ومن تأمل بعض هدايته المبثوثة في العالم
شهد بأنه الله الذي لا إله إلا هو
عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم
وانتقل من معرفة هذه الهداية إلى إثبات «النبوة» و«المعاد»
بأيسر نظر وأول ولهة

وأحسن طريق وأخصرها وأبعدها عن كل شبهة

وأن من هدى هذه الحيوانات هذه الهداية
التي تعجز عقول العقلاء عنها
لا يليق به أن يترك هذا النوع الإنساني
الذي هو خلاصة الوجود
الذي كرمه وفضله على كثير من خلقه تفضيلاً
مهملا وسدى معطلا
لا يهديه إلى أقصى كمالاته وأفضل غاياته

وهذا أحد ما يدل على إثبات المعاد بالعقل والشرع

وهذا النمل من أهدى الحيوانات
وهدايتها من أعجب شيء
فإن النملة الصغيرة تخرج من بيتها
وتطلب قوتها وإن بعدت عليها الطريق
فإذا ظفرت به حملته وساقته في طريق معوجة بعيدة
ذات صعود وهبوط في غاية من التوعر
حتى تصل إلى بيوتها فتخزن فيها أقواتها في وقت الإمكان
فإذا خزنتها عمدت إلى ما ينبت منها ففلقته فلقتين لئلا ينبت
فإن كان ينبت مع فلقه باثنين فلقته بأربعة
فإذا أصابه بلل وخافت عليه العفن والفساد
انتظرت به يومًا ذا شمس فخرجت به
فنشرته على أبواب بيوتها ثم أعادته إليها
ولا تتغذى منها نملة مما جمعه غيرها
ويكفي في هداية النمل ما حكاه الله سبحانه في القرآن
عن النملة التي سمع سليمان عليه السلام
كلامها وخطابها لأصحابها بقولها:
يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
[النمل: 18]

فجمعت بين الاعتذار عن مضرة الجيش بكونهم لا يشعرون
وبين لوم أمة النمل حيث لم يأخذوا حذرهم ويدخلوا مساكنهم
ولذلك تبسم سليمان ضاحكًا من قولها

وإنه لموضع تعجب وتبسم

ومن عجب هدايتها أنها تعرف ربها بأنه فوق السموات على عرشه
كما رواه الإمام أحمد في «كتاب الزهد»
من حديث أبي هريرة يرفعه قال:
«خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون فإذا هم بنملة رافعة قوائمها إلى السماء تدعو مستلقية على ظهرها، وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن سقياك، ورزقك، فإما أن تسقينا وترزقنا وأما أن تهلكنا. فقال: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم»

وهذا «الهدهد» من أهدى الحيوان
وأبصره بمواضع الماء تحت الأرض لا يراه غيره
ومن هدايته ما حكاه الله عنه في كتابه
أنه قال لنبيه سليمان عليه السلام وقد فقده وتوعده
فلما جاء بادره بالعذر قبل أن ينذره سليمان بالعقوبة
وخاطبة خطابًا هيجه على الإصغاء إليه والقبول منه
فقال: أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ [النمل: 22]
ثم كشف عن حقيقة الخبر كشفًا مؤكدًا بأدلة التأكيد
فقال: إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ [النمل: 23]
ثم أخبر عن شأن تلك الملكة
وأنها من أجل الملوك بحيث أوتيت من كل شيء يؤتاه الملوك
ثم زاد في تعظيم شأنها بذكر عرشها الذي تجلس عليه
وأنه عرش عظيم
ثم أخبره بما يدعوه إلى قصدهم وغزوهم في عقر دارهم
بعد دعوتهم إلى الله
فقال: وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ
[النمل: 24]
ثم أخبر عن المغوي لهم الحامل لهم على ذلك
وهو تزيين الشيطان لهم أعمالهم حتى صدهم عن السبيل المستقيم
وهو السجود لله وحده
ثم أخبر أن ذلك الصد حال بينهم وبين الهداية
والسجود لله الذي لا ينبغي السجود إلا له
ثم ذكر من أفعاله سبحانه إخراج : الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
[النمل: 25]
وهو المخبوء فيهما من المطر والنبات والمعادن
وأنواع ما ينزل من السماء وما يخرج من الأرض

وهذا «الحمام» من أعجب الحيوان هداية
حتى قال الشافعي: أعقل الطير الحمام
وبرد الحمام هي التي تحمل الرسائل والكتب في الأزمان السابقة
ربما زادت قيمة الطير منها على قيمة العبد
يذهب ويرجع إلى مكانه من مسيرة ثلاثة آلاف ميل فما دونها

ومن عجائب أمر «القرد» ما ذكره البخاري في صحيحه
عن عمرو بن ميمون الأودي قال:
رأيت في الجاهلية قردًا وقردة زنيا
فاجتمع عليهما القرود فرجموهما حتى ماتا
فهؤلاء القرود أقاموا حد الله حين عطله بنو آدم

ومن هداية «الحمار» الذي هو من أبلد الحيوان
أن الرجل يسير به ويأتي به إلى منزله من البعد
في ليلة مظلمة فيعرف المنزل
فإذا خُلِّيَ جاء إليه
ويفرق بين الصوت الذي يستوقف به
والصوت الذي يحث به على السير

وهذا «الثعلب» إذا اشتد به الجوع انتفخ
ورمي بنفسه في الصحراء كأنه جيفة
فتتداوله الطير فلا يظهر حركة ولا نفسًا
فلا تشك أنه ميت
حتى إذا نقر بمنقاره وثب عليها فضمها ضمة الموت

وهذا «ابن عرس» و «القنفذ»
إذا أكلا الأفاعي والحيات عمدا إلى الصعتر النهري
فأكلا منه كالترياق لذلك

قال تعالى:
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى [الأعلى: 1- 3]
قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى
[طه: 50]

قال الله تعالى:
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ [الأنعام: 38]

قال ابن عباس:
يعرفونني ويوحدونني ويسبحونني ويحمدونني

وقال ابن قتيبة: إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ
في طلب الغذاء وابتغاء الرزق وتوقي المهالك

وقال سفيان بن عيينة: ما في الأرض آدمي إلا وفيه شبه من البهائم
فمنهم من يهتصر اهتصار الأسد
ومنهم من يعدو عدو
الذئب
ومنهم من ينبح نباح الكلب
ومنهم من يتطوس كفعل الطاووس
ومنهم من يشبه الخنازير التي لو ألقي إليها الطعام الطيب عافته
فإذا قام الرجل عن رجيعة ولغت فيه

فلذلك تجد في الآدميين من لو سمع خمسين حكمة
لم يحفظ واحدة منها

وإن أخطأ رجل تراواه وحفظه

والله سبحانه جعل بعض الدواب كسوبًا محتالًا
وبعضها متوكلاً غير محتال
وبعض الحشرات يدخر لنفسه قوت سنة
وبعضها يتكل على الثقة بأن له في كل يوم
قدر كفايته رزقًا مضمونًا وأمرًا مقطوعًا
وبعضها يدخر وبعضها لا كسب له
وبعض الذكورة يعول ولده
وبعضها لا يعرف ولده البتة
وبعض الإناث تكفل ولدها لا تعدوه
وبعضها تضع ولدها وتكفل ولده غيرها
وبعضها لا تعرف ولدها إذا استغنى عنها
وبعضها لا تزال تعرفه وتعطف عليه
وبعضها لا يلتمس الولد
وبعضها يستفرغ الهم في طلبه
وبعضها يعرف الإحسان ويشكره
وبعضها ليس ذلك عنده شيئًا
وبعضها يؤثر على نفسه
وبعضها إذا ظفر بما يكفي أمنه من جنسه لم يدع أحدًا يدنو منه
وبعضها يحب الفساد ويكثر منه
وبعضها لا يفعله إلا في السنة مرة
وبعضها يقتصر على أنثاه
وبعضها لا يقف على أنثى ولو كانت أمه أو أخته
وبعضها لا تمكن غير زوجها من نفسها
وبعضها لا ترد يد لامس
وبعضها يألف بني آدم ويأنس بهم
وبعضها يستوحش منهم وينفر غاية النفار
وبعضها لا يأكل إلا الطيب
وبعضها لا يأكل إلا الخبائث
وبعضها يجمع بين الأمرين

ومن ايات الله

افتراضي

ومنها أنه جعلها فراشًا

وجعلها مهادًا ذلولاً توطأ بالأقدام
وتضرب بالمعاول والفؤوس
وتحمل على ظهرها الأبنية الثقال

فهي ذلول مسخرة لما يريد العبد منها

وجعلها بساطًا
وجعلها كفاتا للأحياء تضمهم على ظهرها
وللأموات تضمهم في بطنها


وطحاها فمدها وبسطها ووسعها

ودحاها فهيئها لما يراد منها
بأن أخرج منها ماءها ومرعاها
وشق فيها الأنهار وجعل فيها السبل والفجاج

و جعلها ساكنة واقفة
وذلك آية أخرى
إذ لا دعامة تحتها تمسكها
ولا علاقة فوقها
ولكنها لما كانت على وجه الماء
كانت تكفأ كما تكفأ السفينة
فاقتضت العناية الأزلية والحكمة الإلهية
أن وضع عليها رواسي يثبتها بها لئلا تميد
وليستقر عليها الأنام والحيوان والنبات والأمتعة
وتمكين الحيوان والناس من السعي عليها في مآربهم
والجلوس لراحاتهم والنوم لهدوئهم
والتمكن من أعمالهم

ولو كانت رجراجة
لم يستطعوا على ظهرها قرارًا ولا هدوءًا
ولا ثبت لهم عليها بناء
ولا أمكنهم عليها صناعة ولا تجارة ولا حراثة ولا مصلحة
وكيف كانوا يتهنون بالعيش والأرض ترتج من تحتهم
واعتبر ذلك بما يصيبهم من الزلازل على قلة مكثها
كيف يضطرهم إلى ترك منازلهم والهرب عنها

قال النبي - صلى الله عليه و سلم -:
«لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال عليها فاستقرت، فتعجبت الملائكة من شدة الجبال، فقالوا: يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال؟ قال: نعم، الحديد، قالوا: يا رب هل من خلقك شيء أشد من الحديد؟ قال: نعم، النار. قالوا: يا رب فهل من خلقك شيء أشد من النار؟ قال نعم: الريح. قالوا: يا رب فهل من خلقك أشد من الريح؟ قال: نعم، ابن آدم يتصدق صدقة بيمينه يخفيها عن
شماله»

ومن آياتها أن جعلها مختلفة الأجناس والصفات والمنافع
مع أنها قطع متجاورات متلاصقة:
فهذه سهلة وهذه حزنة تجاورها وتلاصقها
وهذه طيبة تنبت وتلاصقها أرض لا تنبت
وهذه تربة وتلاصقها رمال
وهذه صلبة ويلاصقها أرض رخوة
وهذه سوداء ويليها أرض بيضاء
وهذه حصا كلها ويجاورها أرض لا يوجد فيها حجر
وهذه تصلح لنبات كذا وكذا
وهذه لا تصلح له بل تصلح لغيره

وهذه سبخة مالحة وهذه بضدها
وهذه ليس فيها جبل ولا معلم
وهذه مسجرة بالجبال
وهذه لا تصلح إلا على المطر
وهذه لا ينفعها المطر بل لا تصلح إلا على سقي الأنهار
فيمطر الله سبحانه
الماء على الأرض البعيدة ويسوق الماء إليها على وجه الأرض

ولننظر قطعها المتجاورات
وكيف ينزل عليها ماء واحد
فتنبت الأزواج المختلفة المتباينة
في الشكل واللون والرائحة والطعم والمنفعة

فكيف كانت هذه الأجنة المختلفة مودعة في بطن هذه الأم
وكيف حملها من لقاح واحد
صنع الله الذي اتقن كل شيء
لا إله إلا هو

قال سبحانه: وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً ميتة
فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ فتحركت
وَرَبَتْ ارتفعت واخضرت
وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ
[الحَجّ: 5]
فأخرجت عجائب النبات في المنظر والمخبر
«بهيج» للناظرين «كريم» للمتناولين
فأخرجت الأقوات على اختلافها
وتباين مقاديرها وأشكالها وألوانها ومنافعها
والفواكه والثمار وأنواع الأدوية
ومراعي الدواب والطير

وجعلها ذلولاً
لم تكن في غاية الصلابة والشدة كالحديد والحجر
فيمتنع حفرها وشقها وشق أنهارها والبناء فيها والغرس والزرع

وكونها «قرارًا»
لم تخلق في غاية اللين والرخاوة والدماثة والطين
فلا تمسك بناء ولا يستقر عليها الحيوان ولا الأجسام الثقيلة

وكذلك لم يجعلها شفافة لا يستقر عليها النور
ولا تقبل السخونة
فتبقى في غاية البرد
فلا يستقر عليها الحيوان ولا يتأتى فيه النبات

وكذلك لم يجعلها صقيلة براقة
لئلا يحترق ما عليها
بسبب انعكاس أشعة الشمس
بل جعلها كثيفة غبراء
فصلحت أن تكون مستقرًا للحيوان والأنام والنبات

من نوعها هذا التنوع؟
ومن فوق أجزاءها هذا التفريق؟
ومن خصص كل قطعة منها بما خصها به؟
ومن ألقى عليها رواسيها؟
وفتح فيها السبل وأخرج منها الماء والمرعى؟
ومن أمسكها عن الزوال؟
ومن بارك فيها وقدر فيها أقواتها؟
وأنشأ منها ماءها وحيوانها ونباتها؟
ومن وضع فيها معادنها وجواهرها ومنافعها؟
ومن هيأها مستقرًا للأنام؟
ومن يبدأ الخلق ثم يعيده إليها ثم يخرج منها؟
ومن جعلها ذلولاً غير مستعصية ولا ممتنعة؟
ومن وطأ مناكبها وذلل مسالكها ووسع مخارجها؟
وشق أنهارها وأنبت أشجارها وأخرج ثمارها؟
ومن صدعها عن النبات وأودع فيها جميع الأقوات؟
ومن بسطها وفرشها ومهدها وذللها وطحاها ودحاها؟
وجعل ما عليها زينة لها؟
ومن الذي يمسكها أن تتحرك ؟
فتتزلزل فيسقط ما عليها من بناء ومعلم؟
أو يخسفها بمن عليها فإذا هي تمور؟

ومن الذي أنشأ منها النوع الإنساني؟
الذي هو أبدع المخلوقات وأحسن المصنوعات؟
بل أنشأ منها آدم ونوحًا وإبراهيم؟
وموسى وعيسى ومحمدًا ؟
وأنشأ منها أولياءه وأحباءه وعباده الصالحين؟

ومن جعلها حافظة لما استودع فيها من المياه والأرزاق والمعادن والحيوان؟
ومن جعل بينها وبين الشمس والقمر هذا المقدار من المسافة؟
فلو زادت على ذلك لضعف تأثرها بحرارة الشمس ونور القمر؟
فتعطلت المنفعة الواصلة إلى الحيوان والنبات بسبب ذلك؟
ولو زادت في القرب لاشتدت الحرارة والسخونة؟

ومن الذي جعل فيها الجنات والحدائق والعيون؟
ومن الذي جعل باطنها بيوتًا للأموات وظاهرها بيوتًا للأحياء؟

ومن الذي يحييها بعد موتها؟
فينزل عليها الماء من السماء؟
ثم يرسل عليها الريح ويطلع عليها الشمس فتأخذ في الحبل ؟
فإذا كان وقت الولادة مخضت للوضع واهتزت؟
وأنبتت من كل زوج بهيج؟

فإذا حصل الحب في الأرض
ووقع عليه الماء أثرت نداوة الطين فيه
وأعانتها السخونة المختفية في باطن الأرض
فوصلت النداوة والحرارة إلى باطن الحبة
فاتسعت الحبة وربت وانتفخت
وانفلقت عن ساقين ساق من فوقها وهي الشجرة
وساق من تحتها وهو العرق

كل ذلك صنع الرب الحكيم في حبة واحدة
لعلها تبلغ في الصغر إلى الغاية
وذلك من البركة التي وضعها الله سبحانه

فيا لها من آية
تكفي وحدها في الدلالة على وجود الخالق
وصفات كماله وأفعاله
وصدق رسله فيما أخبروا به بإخراج من في القبور
ليوم البعث والنشور

وفي ذلك أظهر دلالة على أنها مخلوقة مصنوعة
مربوبة مدبرة حادثة بعد عدمها
فقير إلى موجد غني عنها
مؤثر فيها غير متأثر
قديم غير محدث

تنقاد المخلوقات كلها لقدرته
وتجيب داعي مشيئته
وتلبي داعي وحدانيته وربوبيته
وتشهد بعلمه وحكمته
وتدعو عباده إلى ذكره وشكره وطاعته وعبوديته ومحبته
وتحذرهم من بأسه ونقمته
وتحثهم على المبادرة إلى رضوانه وجنته


فإذا كان يوم الوقت المعلوم
وقد ثقلها حملها وحان وقت الولادة ودنو المخاض
أوحى إليها ربها وفاطرها أن تضع حملها وتخرج أثقالها
فتخرج الناس من بطنها إلى ظهرها

وتقول: يا رب

هذا ما استودعتني
وتخرج كنوزها بإذنه تعالى
ثم تحدث أخبارها
وتشهد على بنيها بما عملوا على ظهرها من خير وشر

قال سبحانه:
وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا [النَّازعَات: 32]
وقال بعد ذكر الأمر بالنظر إلى الإبل والسماء :
وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ [الغَاشِيَة: 19]

كيف أحكمت جوانب الأرض
بالجبال الراسيات الشوامخ الصم الصلاب؟
وكيف نصبت فأحسن نصبها؟
وكيف رفعت وجعلت أصلب أجزاء الأرض ؟
لئلا تضمحل على تطاول السنين وترادف الأمطار والرياح؟

هذه الجبال التي يحسبها الجاهل فضلة في الأرض
لا حاجة إليها
وفيها من المنافع ما لا يحصيه إلا خالقها وناصبها

فمن فمنافعها أن الثلج يسقط عليها
فيبقى في قللها حاملاً لشراب الناس إلى حين نفاده

ومن منافعها ما يكون في حصونها وقللها
من المغارات والكهوف والمعاقل
التي بمنزلة الحصون والقلاع أكنان للناس والحيوان
ومن منافعها ما ينحت من أحجارها للأبنية
على اختلاف أصنافها
ومن منافعها ما يوجد فيها من المعادن على اختلاف أصنافها
من الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص
والزبرجد والزمرد
وأضعاف ذلك من أنواع المعادن
التي يعجز البشر عن معرفتها على التفصيل

ثم هدى تعالى الناس إلى استخراج تلك المعادن منها
وألهمهم كيف يصنعون منها النقود والحلي
والزينة واللباس والسلاح
وآلة المعاش على اختلافها
ولولا هدايته سبحانه لهم إلى ذلك لما كان لهم علم شيء منه


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://elmastor99.ahlamontada.com
admin
Admin



عدد المساهمات : 1587
تاريخ التسجيل : 09/09/2009
الموقع : https://elmastor99.ahlamontada.com/admin/index.forum?part=users_groups&sub=users&mode=edit&u=1&extended_admin=1&sid=c1629deafff60446a84e167c5d6aaa07

.........عرفت الله ياياته.....منقول Empty
مُساهمةموضوع: رد: .........عرفت الله ياياته.....منقول   .........عرفت الله ياياته.....منقول Icon_minitimeالأحد أكتوبر 25, 2009 2:35 am


ومن منافعها أيضًا أنها ترد الرياح العاصفة
وتكسر حدتها فلا تدعها تصدم ما تحتها

ومن منافعها أيضًا أنها ترد عنهم السيول
إذا كانت في مجاريها فتصرفها عنهم ذات اليمين وذات الشمال
ولولاها خربت السيول في مجاريها ما مرت به
فتكون لهم بمنزلة السد
ومن منافعها أنها أعلام يستدل بها في الطرقات

ومن منافعها ما ينبت فيها من العقاقير والأدوية
التي لا تكون في السهول والرمال
كما أن ما ينبت في السهول والرمال لا ينبت مثله في الجبال

وفيها من المنافع ما لا يعلمه إلا خالقها ومبدعها سبحانه

وإذا تأملنا خلقتها العجيبة البديعة
لوجدتناها في غاية المطابقة للحكمة
فإنها لو طالت واستدقت كالحائط
لتعذر الصعود عليها والانتفاع بها
وسترت عن الناس الشمس والهواء
فلم يتمكنوا من الانتفاع بها
ولو بسطت على وجه الأرض
لضيقت عليهم المزارع والمساكن ولملئت السهل
ولو جعلت مستديرة شكل الكرة
لم يتمكنوا من صعودها ولما حصل لهم بها الانتفاع التام

فخلقها ومنافعها من أكبر الشواهد على قدرة بارئها وفاطرها
وعلمه وحكمته ووحدانيته

هذا مع أنها تسبح بحمده
وتخشع له
وتتشقق وتهبط من خشيته
وهي التي خافت من ربها وفاطرها وخالقها
على شدتها وعظم خلقها
من الأمانة التي عرضها عليها وأشفقت من حملها

وإن لها موعدًا ويومًا تنسف فيه نسفًا
وتصير كالعهن من هوله وعظمه

فهي مشفقة من هول ذلك الموعد منتظرة له

وكانت أم الدرداء رضي الله عنها
إذا سافرت فصعدت على جبل تقول لمن معها:
أسمعت الجبال ما وعدها ربها؟
فيقال: ما أسمعها؟
فتقول: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا
[طه: 105- 107]

فهذا حال الجبال وهي الحجارة الصلبة
وهذه رقتها وخشيتها وتدكدكها من جلال ربها وعظمته
وقد أخبر عنها فاطرها وبارئها
أنه لو أنزل عليها كلامه لخشعت وتصدعت من خشية الله

.............

«الرياح»
من أعظم آيات الله الدالة على عظمته وربوبيته وقدرته
وفيها من العبر:
هبوبها وسكونها
ولينها وشدتها
واختلاف طبائعها
وصفاتها، ومهابها وتصريفها
وتنوع منافعها وشدة الحاجة إليها

ولهذا أقسم الله سبحانه بها في قوله :
وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا [الذّاريَات: 1]
وهي الرياح: تذروا المطر وتذروا التراب
وتذروا النبات إذا تهشم
ثم بما فوقها وهو السحاب : فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا [الذّاريَات: 2]
أي ثقلاً من الماء يسوقها الله سبحانه على متون الرياح
فالقسم بها دليل على أنها من أعظم آياته

هذا «الهواء» اللطيف المحبوس بين السماء والأرض
يدرك جسمه بحس اللمس عند هبوبه ولا يرى شخصه
يجري بين السماء والأرض
والطير محلقة فيه سابحة بأجنحتها في أمواجه
كما تسبح حيوانات البحر في الماء
وتضطرب جوانبه وأمواجه عند هيجانه
كما تضطرب أمواج البحر
فإذا شاء الله سبحانه حركه بحركة الرحمة فجعله رخاء ورحمةً
وبشرى بين يدي رحمته ولاقحًا للسحاب
وإن شاء حركه بحركة عذاب فجعله عقيمًا
وأودعه عذابًا أليمًا
وجعله نقمة على من شاء من عباده
فجعله صرصرًا ونحسًا وعاتيًا ومفسدًا لما يمر به
ومسببًا للفيضان المدمر

وهي في قوتها أشد من الحديد والنار والماء
ومع ذلك فهي ألطف شيء
وأقبل المخلوقات لكل كيفية
سريعة التأثر والتأثير
لطيفة المسارق بين السماء والأرض

فلنتأمل هذا الهواء وما فيه من المصالح
فإنه حياة هذه الأبدان
والممسك لها من داخل بما تستنشق منه
ومن خارج بما تِبَاشَرُ به من رَوْحِه
فتتغذى به ظاهرًا وباطنًا

فحياة ما على الأرض من نبات وحيوان بالرياح
فإنه لولا تسخير الله لها لعباده
لذوى النبات ومات الحيوان
وفسدت المطاعم وأنتن العالم وفسد
فسبحان من جعل هبوب الرياح تأتي برحمته ولطفه ونعمته

الرياح تلقح الشجر والنبات
ولولاها لكانت عقيمًا
وكذلك الرياح تسير السفن
ولولاها لوقفت على ظهر البحر
ومن منافعها أنها تبرد الماء
وتضرم النار التي يراد إضرامها
وتجفف الأشياء التي يحتاج إلى جفافها
وهو الحامل لهذه الروائح على اختلافها
ينقلها من موضع إلى موضع
وهو أيضًا الحامل للحر والبرد اللذين بهما صلاح الحيوان والنبات

ولنتأمل الحكمة البالغة في كون الريح في البحر
تأتي من وجه واحد لا يعارضها شيء
فإن السفينة لا تسير إلا بريح واحدة من وجه واحد سيرها
فإذا اختلف عليها الرياح وتصادمت وتقابلت
فهو سبب الهلاك
فالمقصود بها في البحر غير المقصود بها في البر
في البر جعل لها ريحًا أخرى تقابلها
وتكسر سورتها وحدتها

فيبقى لينها ورحمتها
فرياح الرحمة متعددة
وأما ريح العذاب فإنه ريح واحدة
ترسل من وجه واحد
لإهلاك ما ترسل بإهلاكه
فلا تقوم لها ريح أخرى تقابلها وتكسر سورتها وتدفع حدتها

وجعل سبحانه الريح للسفن بقدر لو زاد عليها لأغرقها
ولو نقص عنه لعاقها

والرياح تحمل الصوت عند اصطكاك الأجرام
وتؤديه إلى مسامع الناس فينتفعون به
في حوائجهم ومعاملاتهم بالليل والنهار
وتَحْدُثُ الحركات العظيمة من حركاتهم
فلو كان أثر هذه الحركات والأصوات يبقى في الهواء
لامتلأ العالم منه ولعظم الضرر به واشتدت مؤونته
واحتاج الناس إلى محوه من الهواء
فاقتضت حكمة العزيز الحكيم أن جعل هذا الهواء قرطاسًا خفيفًا
يحمل الكلام بقدر ما يُبَلِِّغُ الحاجة
ثم يمحى بإذن ربه فيعود جديدًا نقيًا
لا شيء فيه فيحمل ما حمل كل وقت

من أنشأها بقدرته؟
وصرفها بحكمته؟
وسخرها بمشيئته؟
وأرسلها بشرى بين يدي رحمته؟
وجعلها سببًا لتمام نعمته؟
وسلطانًا على من شاء بعقوبته؟
ومن جعلها رُخَاءً وذارية ولاقحة ومثيرة ومؤلفة
ومغذية لأبدان الحيوان والشجر والنبات؟
وجعلها قاصفًا وعاصفًا ومهلكة وعاتية
إلى غير ذلك من صفاتها؟

فهل ذلك لها من نفسها وذاتها؟!
أم بتدبير مدبر شهدت الموجودات بربوبيته؟
وأقرت المصنوعات بوحدانيته
بيده النفع والضر
وله الخلق والأمر
تبارك الله رب

و لنتأمل الأصول الأربعة:
التراب والماء والهواء والنار
و لنتأمل سعة ما خلق الله منها وكثرته

سعة الهواء وعمومه ووجوده بكل مكان
لأن الحيوان مخلوق في البر لا يمكنه الحياة إلا به
فهو معه أينما كان وحيث
كان
لأنه لا يستغني عنه لحظة واحدة
ولولا سعته وامتداده في أقطار العالم
لاختنق العالم من الدخان والبخار المتصاعد المنعقد
فلنتأمل حكمة الله في أن سخر له الرياح
فإذا تصاعد إلى الجو أحالته سحابًا أو ضبابًا
فأذهبت عن العالم شره وأذاه

من الذي دبر هذا التدبير؟
وقدر هذا التقدير؟
وهل يقدر العالم كلهم لو اجتمعوا
أن يحيلوا ذلك ويقلبوه سحابًا أو ضبابًا
أو يذهبوه عن الناس ويكشفوه عنهم؟!

إن النبي – صلى الله عليه و سلم _
أرشد إلى ما يقال عند شدة هبوب الرياح
من الدعاء الذي هو عبودية لله
واعتراف بأنها إنما تهب بأمره
فهو الذي أوجدها وأمرها وصرفها
عن أبي بن كعب رضي الله عنه
أن رسول الله – صلى الله عليه و سلم _ قال:
«لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به»

فهذه حال أهل الإيمان

و من آيات الله «السحاب» المسخر بين السماء والأرض
كيف يجتمع في جو صاف لا كدرة فيه
وكيف يخلقه الله متى شاء وإذا شاء
وهو مع لينه ورخاوته حامل للماء الثقيل بين السماء والأرض
إلى أن يأذن له ربه وخالقه في إرسال ما معه من الماء
روى الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
بينما النبي – صلى الله عليه و سلم - جالس في أصحابه
إذ أتى عليهم سحاب
فقال النبي– صلى الله عليه و سلم -:
«هل تدرون ما هذه؟»
قالوا: الله ورسوله أعلم
قال: «هذا العنان هذه روايا الأرض- أي الحاملة للماء- يسوقها الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه»

يعني لسعة رحمته وحلمه سبحانه يسقي به من يطيعه ومن يعصيه

وكان الحسن البصري رحمه الله إذا رأى السحاب قال:
في هذه والله رزقكم، ولكنكم تحرمونه بخطاياكم وذنوبكم

وقال الله تعالى:
وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات: 22]

فالرزق المطر
وما توعدون به الجنة
وكلاهما في السماء

وفي الصحيح عن النبي – صلى الله عليه و سلم - قال:
«بينا رجل بفلاة من الأرض إذ سمع صوتًا في سحابة: اسق حديقة فلان. فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا بشرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء، فتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبدالله ما اسمك؟ قال: فلان. للاسم الذي سمع في السحابة. فقال له: يا عبدالله لم سألتني عن اسمي؟ قال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان- لاسمك- فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأرد فيها ثلثه» وفي رواية: «وأجعل ثلثه لليتامى والمساكين وابن السبيل» أخرجه مسلم

فلنتأمل كيف يسوقه سبحانه رزقًا للعباد
والدواب والطير والذر والنحل
يسوقه رزقًا للحيوان الفلاني
في الأرض الفلانية
بجانب الجبل الفلاني
فيصل إليه على شدة من الحاجة والعطش
في وقت كذا وكذا

و لنتأمل:
كم سخر سبحانه للسحاب من ريح حتى أمطر
فسخرت له المثيرة أوَّلاً فتثيره بين السماء والأرض
ثم سخرت له الحاملة التي تحمله على متنها كالجمل الذي يحمل الراوية
ثم سخرت له المؤلفة فتؤلف بين كسفه وقطعه
ثم يجتمع بعضها إلى بعض فتصير طبقًا واحدًا
ثم سخرت له اللاقحة فتحمل الماء من البحر وتلقحها به
كما يلقح الفحل الأنثى
فيحمل الماء من وقته كما تحمل الأنثى من لقاح الفحل
ولولاها لكان جهامًا لا ماء فيه

فالله سبحانه ينشئ الماء من السحاب إنشاء:
تارة بقلب الهواء ماء فيلقح به السحاب
وتارة يحمله الهواء من البحر فيلقح به السحاب
ولهذا تجد البلاد القريبة من البحر كثيرة الأمطار
وإذا بعدت من البحر قل مطرها

ثم الحكمة البالغة في نزول المطر على الأرض من علو
ليعم بسقيه وهادها وتلولها وظرابها وآكامها ومنخفضها ومرتفعها
ولو كان ربها يسقيها من ناحية من نواحيها
لما أتى الماء على الناحية المرتفعة
إلا إذا اجتمع في السفلى وكثر وفي ذلك فساد
فاقتضت حكمته أن سقاها من فوقها
ثم أنزله إلى الأرض بغاية من اللطف والحكمة
التي لا اقتراح لجميع عقول الحكماء فوقها
فيرش السحاب الماء على الأرض رشًا
ويرسله قطرات مفصلة لا تختلط منه قطرة بأخرى
ولا يتقدم متأخرها
ولا يتأخر متقدمها
ولا تدرك القطرة صاحبتها فتمتزج بها
بل تنزل كل واحدة في الطريق الذي رسم لها
لا تعدل عنه حتى تصيب الأرض قطرة قطرة
قد عينت كل قطرة منها لجزء من الأرض لا تتعداه إلى غيره
فلو اجتمع الخلق كلهم أن يخلقوا منها قطرة واحدة
أو يحصوا عدد القطر في لحظة واحدة لعجزوا عنه

أنزله ومعه رحمته إلى الأرض

ثم الحكمة البالغة في إنزاله بقدر الحاجة
حتى إذا ما أخذت الأرض حاجتها منه
وكان تتابعه عليها بعد ذلك يضرها أقلع عنها وأعقبه بالصحو
فلو توالت الأمطار لأهلكت ما في الأرض
ولو زادت على الحاجة أفسدت الحبوب والثمار
وعفنت الزرع والخضراوات
وأرخت الأبدان وخثرت الهواء
فحدثت ضروب من الأمراض
وفسد أكثر المآكل وتقطعت المسالك والسبل

ولو دام الصحو لجفت الأبدان وغيض الماء
وانقطع معين العيون والآبار والأنهار والأودية
وعظم الضرر
واحتدم الهواء فيبس ما على الأرض
وجفت الأبدان وغلب اليبس
وأحدث ذلك ضروبًا من الأمراض عسرة الزوال

فاقتضت حكمة اللطيف الخبير
أن عاقب بين الصحو والمطر على هذا العالم
فاعتدل الأمر وصح الهواء
ودفع كل واحد منهما عادية الآخر
واستقام أمر العالم وصلح

ثم كيف أودعه في الأرض؟
ثم أخرج أنواع الأغذية والأدوية والأقوات
فهذا النبات يغذي
وهذا يصلح الغذاء
وهذا ينفذه
وهذا يضعف
وهذا سم قاتل
وهذا الشفاء من السم
وهذا يمرض
وهذا دواء من المرض
وهذا يبرد
وهذا يسخن
وهذا إذا حصل في المعدة قمع الصفراء من أعماق العروق
وهذا إذا حصل فيها ولد الصفراء واستحال إليها
وهذا يدفع البلغم والسوداء
وهذا يستحيل إليهما
وهذا يهيج الدم
وهذا يسكنه
وهذا ينوم
وهذا يمنع النوم
وهذا يفرح
وهذا يجلب الغم

وغير ذلك من عجائب النبات
التي لا تكاد تخلو ورقة منه ولا عرق ولا ثمرة من منافع
تعجز عقول البشر عن الإحاطة بها وتفصيلها

ولما كانت الرياح تجول في الأرض
وتدخل في تجاويفها وتحدث فيها الأبخرة
وتختنق الرياح ويتعذر عليها المنفذ
أذن الله سبحانه لها في الأحيان بالتنفس
فتحدث لها الزلازل العظام
فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية والإنابة
والإقلاع عن معاصيه
والتضرع إليه والندم
كما قال بعض السلف :- وقد زلزلت الأرض- إن ربكم يستعتبكم

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
وقد زلزلت المدينة فخطبهم ووعظهم وقال:
لئن عادت لا أساكنكم فيها

قال الله تعالى :
وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ
[الشورى: 32- 34]



و لنتأمل الأصول الأربعة:
التراب والماء والهواء والنار
و لنتأمل سعة ما خلق الله منها وكثرته

سعة الهواء وعمومه ووجوده بكل مكان
لأن الحيوان مخلوق في البر لا يمكنه الحياة إلا به
فهو معه أينما كان وحيث
كان
لأنه لا يستغني عنه لحظة واحدة
ولولا سعته وامتداده في أقطار العالم
لاختنق العالم من الدخان والبخار المتصاعد المنعقد
فلنتأمل حكمة الله في أن سخر له الرياح
فإذا تصاعد إلى الجو أحالته سحابًا أو ضبابًا
فأذهبت عن العالم شره وأذاه

من الذي دبر هذا التدبير؟
وقدر هذا التقدير؟
وهل يقدر العالم كلهم لو اجتمعوا
أن يحيلوا ذلك ويقلبوه سحابًا أو ضبابًا
أو يذهبوه عن الناس ويكشفوه عنهم؟!

إن النبي – صلى الله عليه و سلم _
أرشد إلى ما يقال عند شدة هبوب الرياح
من الدعاء الذي هو عبودية لله
واعتراف بأنها إنما تهب بأمره
فهو الذي أوجدها وأمرها وصرفها
عن أبي بن كعب رضي الله عنه
أن رسول الله – صلى الله عليه و سلم _ قال:
«لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به»

فهذه حال أهل الإيمان




و من آيات الله «السحاب» المسخر بين السماء والأرض
كيف يجتمع في جو صاف لا كدرة فيه
وكيف يخلقه الله متى شاء وإذا شاء
وهو مع لينه ورخاوته حامل للماء الثقيل بين السماء والأرض
إلى أن يأذن له ربه وخالقه في إرسال ما معه من الماء
روى الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
بينما النبي – صلى الله عليه و سلم - جالس في أصحابه
إذ أتى عليهم سحاب
فقال النبي– صلى الله عليه و سلم -:
«هل تدرون ما هذه؟»
قالوا: الله ورسوله أعلم
قال: «هذا العنان هذه روايا الأرض- أي الحاملة للماء- يسوقها الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه»

يعني لسعة رحمته وحلمه سبحانه يسقي به من يطيعه ومن يعصيه

وكان الحسن البصري رحمه الله إذا رأى السحاب قال:
في هذه والله رزقكم، ولكنكم تحرمونه بخطاياكم وذنوبكم

وقال الله تعالى:
وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات: 22]

فالرزق المطر
وما توعدون به الجنة
وكلاهما في السماء

وفي الصحيح عن النبي – صلى الله عليه و سلم - قال:
«بينا رجل بفلاة من الأرض إذ سمع صوتًا في سحابة: اسق حديقة فلان. فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا بشرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء، فتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبدالله ما اسمك؟ قال: فلان. للاسم الذي سمع في السحابة. فقال له: يا عبدالله لم سألتني عن اسمي؟ قال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان- لاسمك- فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأرد فيها ثلثه» وفي رواية: «وأجعل ثلثه لليتامى والمساكين وابن السبيل» أخرجه مسلم

فلنتأمل كيف يسوقه سبحانه رزقًا للعباد
والدواب والطير والذر والنحل
يسوقه رزقًا للحيوان الفلاني
في الأرض الفلانية
بجانب الجبل الفلاني
فيصل إليه على شدة من الحاجة والعطش
في وقت كذا وكذا

و لنتأمل:
كم سخر سبحانه للسحاب من ريح حتى أمطر
فسخرت له المثيرة أوَّلاً فتثيره بين السماء والأرض
ثم سخرت له الحاملة التي تحمله على متنها كالجمل الذي يحمل الراوية
ثم سخرت له المؤلفة فتؤلف بين كسفه وقطعه
ثم يجتمع بعضها إلى بعض فتصير طبقًا واحدًا
ثم سخرت له اللاقحة فتحمل الماء من البحر وتلقحها به
كما يلقح الفحل الأنثى
فيحمل الماء من وقته كما تحمل الأنثى من لقاح الفحل
ولولاها لكان جهامًا لا ماء فيه

فالله سبحانه ينشئ الماء من السحاب إنشاء:
تارة بقلب الهواء ماء فيلقح به السحاب
وتارة يحمله الهواء من البحر فيلقح به السحاب
ولهذا تجد البلاد القريبة من البحر كثيرة الأمطار
وإذا بعدت من البحر قل مطرها

ثم الحكمة البالغة في نزول المطر على الأرض من علو
ليعم بسقيه وهادها وتلولها وظرابها وآكامها ومنخفضها ومرتفعها
ولو كان ربها يسقيها من ناحية من نواحيها
لما أتى الماء على الناحية المرتفعة
إلا إذا اجتمع في السفلى وكثر وفي ذلك فساد
فاقتضت حكمته أن سقاها من فوقها
ثم أنزله إلى الأرض بغاية من اللطف والحكمة
التي لا اقتراح لجميع عقول الحكماء فوقها
فيرش السحاب الماء على الأرض رشًا
ويرسله قطرات مفصلة لا تختلط منه قطرة بأخرى
ولا يتقدم متأخرها
ولا يتأخر متقدمها
ولا تدرك القطرة صاحبتها فتمتزج بها
بل تنزل كل واحدة في الطريق الذي رسم لها
لا تعدل عنه حتى تصيب الأرض قطرة قطرة
قد عينت كل قطرة منها لجزء من الأرض لا تتعداه إلى غيره
فلو اجتمع الخلق كلهم أن يخلقوا منها قطرة واحدة
أو يحصوا عدد القطر في لحظة واحدة لعجزوا عنه

أنزله ومعه رحمته إلى الأرض

ثم الحكمة البالغة في إنزاله بقدر الحاجة
حتى إذا ما أخذت الأرض حاجتها منه
وكان تتابعه عليها بعد ذلك يضرها أقلع عنها وأعقبه بالصحو
فلو توالت الأمطار لأهلكت ما في الأرض
ولو زادت على الحاجة أفسدت الحبوب والثمار
وعفنت الزرع والخضراوات
وأرخت الأبدان وخثرت الهواء
فحدثت ضروب من الأمراض
وفسد أكثر المآكل وتقطعت المسالك والسبل

ولو دام الصحو لجفت الأبدان وغيض الماء
وانقطع معين العيون والآبار والأنهار والأودية
وعظم الضرر
واحتدم الهواء فيبس ما على الأرض
وجفت الأبدان وغلب اليبس
وأحدث ذلك ضروبًا من الأمراض عسرة الزوال

فاقتضت حكمة اللطيف الخبير
أن عاقب بين الصحو والمطر على هذا العالم
فاعتدل الأمر وصح الهواء
ودفع كل واحد منهما عادية الآخر
واستقام أمر العالم وصلح

ثم كيف أودعه في الأرض؟
ثم أخرج أنواع الأغذية والأدوية والأقوات
فهذا النبات يغذي
وهذا يصلح الغذاء
وهذا ينفذه
وهذا يضعف
وهذا سم قاتل
وهذا الشفاء من السم
وهذا يمرض
وهذا دواء من المرض
وهذا يبرد
وهذا يسخن
وهذا إذا حصل في المعدة قمع الصفراء من أعماق العروق
وهذا إذا حصل فيها ولد الصفراء واستحال إليها
وهذا يدفع البلغم والسوداء
وهذا يستحيل إليهما
وهذا يهيج الدم
وهذا يسكنه
وهذا ينوم
وهذا يمنع النوم
وهذا يفرح
وهذا يجلب الغم

وغير ذلك من عجائب النبات
التي لا تكاد تخلو ورقة منه ولا عرق ولا ثمرة من منافع
تعجز عقول البشر عن الإحاطة بها وتفصيلها

ومجاري الماء في تلك العروق الرقيقة الضئيلة الضعيفة
التي لا يكاد البصر يدركها إلا بعد تحديقه
كيف يقوي قسره واجتذابه من مقره ومركزه إلى فوق
ثم ينصرف في تلك المجاري بحسب قبولها وسعتها وضيقها
ثم تتفرق وتتشعب وتدق إلى غاية لا ينالها البصر

ثم تكوين حمل الشجرة
ونقلته من حال إلى حال
كتنقل أحوال الجنين المغيب عن الأبصار
ترى العجب العجاب

فتبارك الله رب العالمين
وأحسن الخالقين

بينما نراها حطبًا قائمًا عاريًا لا كسوة عليها
إذ كساها ربها وخالقها من الزهر أحسن كسوة
ثم سلبها تلك الكسوة وكساها من الورق كسوة هي أثبت من الأولى
ثم أطلع فيها حملها ضعيفًا ضئيلاً
بعد أن أخرج ورقها صيانة وثوبًا لتلك الثمرة الضعيفة
لتستجن به من الحر والبرد والآفات
ثم ساق إلى تلك الثمار رزقها وغذاها
في تلك العروق والمجاري فتغذت به
كما يتغذى الطفل بلبن أمه
ثم رباها ونماها شيئًا فشيئًا حتى استوت وكملت وتناهى إدراكها
فأخرج ذلك الجنين اللذيذ اللين من تلك الحطبة الصماء

هذا وكم لله من آية فيما يقع الحس عليه ويبصره العباد وما لا يبصرونه

تفنى الأعمار دون الإحاطة بها وبجميع تفاصيلها:

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ
[الشعراء: 7، 8]
فاعتبروا يا أولي الأبصار

قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
[الأنعَام:99]



التفكر في البحر

إن أحسن ما أنفقت فيه الأنفاس
هو التفكر في آيات الله وعجائب صنعه

ولهذا يكرر الله تعالى
في القرآن ذكر آياته ويبديها
ويأمر عباده بالنظر إليها مرة بعد أخرى
قال تعالى:
قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ[يُونس:
101]

فمن آيات الله وعجائب مصنوعاته «البحار» المكتنفة لأقطار الأرض
حتى إن المكشوف من الأرض والجبال والمدن بالنسبة إلى الماء
كجزيرة صغيرة في بحر عظيم
وبقية الأرض مغمورة بالماء
ولولا إمساك الرب تبارك وتعالى له بقدرته ومشيئته
وحَبْسُهُ الماء لطفح على الأرض وعلاها كلها
هذا طبع الماء

ولهذا حار عقلاء الطبيعيين في سبب بروز هذا الجزء من الأرض
مع اقتضاء طبيعة الماء للعلو عليه وإن لم يغمره

ولم يجدوا ما يحيلون عليه ذلك إلا الاعتراف
بالعناية الأزلية والحكمة الإلهية
التي اقتضت ذلك ليعيش الحيوان الأرضي في الأرض

وفي مسند الإمام أحمد
عن النبي –صلى الله عليه و سلم - أنه قال:
«ما من يوم إلا والبحر يستأذن ربه أن يغرق بني آدم»

وإذا تأملنا عجائب البحر وما فيه من الحيوانات
على اختلاف أجناسها وأشكالها ومقاديرها
ومنافعها ومضارها وألوانها
حتى إن فيها حيوانات أمثال الجبال لا يقوم له شيء
وحتى إن فيه من الحيوانات ما يرى ظهورها
فيظن أنها جزيرة فينزل الركاب عليها فتحس بالنار إذا أوقدت
فتتحرك فيعلم أنه حيوان
وما من صنف من أصناف حيوان البر إلا وفي البحر أمثاله
وفيه أجناس لا يعهد لها نظير في البر أصلاً




هذا مع ما فيه من الجواهر واللؤلؤ والمرجان
فترى اللؤلؤة كيف أودعت في كن كالبيت لها
وهي الصدفة تكنها وتحفظها ومنه
اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ [الواقِعَة: 23]
وهو الذي في صدفه لم تمسه الأيدي

وتأمل كيف نبت (المَرْجَان) في قعره
في الصخرة الصماء تحت الماء على هيئة الشجر

هذا مع ما فيه من العنبر وأصناف النفائس
التي يقذفها البحر وتستخرج منه

ثم انظر إلى عجائب السفن وسيرها في البحر
تشقه وتمخره بلا قائد يقودها ولا سائق يسوقها
وإنما قائدها وسائقها الرياح التي يسخرها الله لإجرائها
فإذا حبس عنها القائد والسائق ظلت راكدة على وجه الماء

كما قال تعالى:
وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ
[الشورى: 33]

وقال تعالى:
وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النّحل: 14]


فما أعظمها من آية وما أبينها من دلالة
ولهذا يكرر الله سبحانه ذكرها في كتابه كثيرًا




وعجائب البحر وآياته أعظم وأكثر من أن يحصيها إلا الله سبحانه
وقال تعالى:
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ [الحاقة: 12]

ومن آياته سبحانه في الأرض خلق الحيوان
على اختلاف صفاته وأجناسه وأشكاله ومنافعه وألوانه
وعجائبه المودعة فيه

فمنه الماشي على بطنه
ومنه الماشي على رجلين
ومنه الماشي على أربع
ومنه ما جعل سلاحه في رجليه- وهو ذو المخالب-
ومنه ما جعل سلاحه المناقير كالنسر والرخم والغراب
ومنه ما سلاحه الأسنان
ومنه ما سلاحه الصياصي
وهي القرون يدافع بها عن نفسه من يروم أخذه

ومنه ما أُعطي قوة يدفع بها عن نفسه فلم يحتج إلى سلاح كالأسد
ومنه ما سلاحه في ذرقه وهو نوع من الطير
إذا دنا منه من يريد أخذه ذرق عليه فأهلكه

ومنه ما تشبه أعضاؤه جميع أعضاء الحيوان
وهو «الزرافة» فرأسها رأس فرس
وعنقها عنق بعير
وأظلافها أظلاف بقرة
وجلدها جلد نمر
فهي خلق عجيب
ووضع بديع من خلق الله الذي أبدعه
آية ودلالة على قدرته وحكمته
التي لا يعجزها شيء
ليري عباده أنه خالق أصناف الحيوان كلها كما يشاء
وفي أي لون شاء

كما يري عباده قدرته التامة على خلقه لنوع الإنسان
على الأقسام الأربعة منه:
ما خلق من غير أب ولا أم
وهو أبو النوع الإنساني
ومنه ما خلق من ذكر بلا أنثى
وهي أمهم التي خلقت من ضلع آدم
ومنهم من خلق من أنثى بلا ذكر
وهو المسيح ابن مريم
ومنه ما خلق من ذكر وأنثى
وهو سائر النوع الإنساني

فيري عباده آياته
ويتعرف إليهم بآلائه وقدرته
وأنه إذا أراد شيئًا فإنما يقول له :
كُنْ فَيَكُونُ [الأنعَام: 73]

فتنوع أفعاله ومفعولاته
وفعله الشيء وضده
والشيء وخلافه: من أعظم الأدلة على ربوبيته وحكمته وعلمه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://elmastor99.ahlamontada.com
 
.........عرفت الله ياياته.....منقول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتــديـــــــات .... ضياء الـديــــن البــري .... للثقـــــــافة والأدب :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول :: إسلاميات .... للكبار-
انتقل الى: